النيل
مِن أَيِّ عَهدٍ فـي القُـرى تَتَدَفَّـقُ وَبِأَيِّ كَـفٍّ فـي المَدائِـنِ تُغـدِقُ
وَمِنَ السَماءِ نَزَلتَ أَم فُجِّرتَ مِـن عَليـا الجِنـانِ جَـداوِلاً تَتَرَقـرَقُ
وَبِأَيِّ نَـولٍ أَنـتَ ناسِـجُ بُـردَةٍ لِلضِفَّتَيـنِ جَديـدُهـا لا يُخـلَـقُ
وَالماءُ تَسكُبُـهُ فَيُسبَـكُ عَسجَـداً وَالأَرضُ تُغرِقُها فَيَحيـا المُغـرَقُ
تُعي مَنابِعُـكَ العُقـولَ وَيَستَـوي مُتَخَبِّـطٌ فـي عِلمِهـا وَمُحَـقِّـقُ
دانـوا بِبَحـرٍ بِالمَكـارِمِ زاخِـرٍ عَـذبِ المَشـارِعِ مَـدُّهُ لا يُلحَـقُ
مُتَقَـيِّـدٌ بِعُـهـودِهِ وَوُعـــودِهِ يَجري عَلى سَنَنِ الوَفاءِ وَيَصـدُقُ
يَتَقَبَّـلُ الـوادي الحَيـاةَ كَريمَـةً مِـن راحَتَيـكَ عَميمَـةً تَتَـدَفَّـقُ
فـي كُـلِّ عـامٍ دُرَّةٌ تُلقـى بِـلا ثَمَـنٍ إِلَيـكَ وَحُـرَّةٌ لا تُـصـدَقُ
حَـولٌ تُسائِـلُ فيـهِ كُـلُّ نَجيبَـةٍ سَبَقَت إِلَيكَ مَتـى يَحـولُ فَتَلحَـقُ
وَالمَجـدُ عِنـدَ الغانِيـاتِ رَغيبَـةٌ يُبغى كَما يُبغى الجَمـالُ وَيُعشَـقُ
زُفَّت إِلـى مَلِـكِ المُلـوكِ يَحُثُّهـا ديـنٌ وَيَدفَعُهـا هَـوىً وَتَشَـوُّقُ
في مِهرَجـانٍ هَـزَّتِ الدُنيـا بِـهِ أَعطافَها وَاِختـالَ فيـهِ المَشـرِقُ
مَجلُوَّةٌ فـي الفُلـكِ يَحـدو فُلكَهـا بِالشاطِئَيـنِ مُزَغـرِدٌ وَمُصَـفِّـقُ
أَلقَـت إِلَيـكَ بِنَفسِهـا وَنَفيسِـهـا وَأَتَتـكَ شَيِّقَـةً حَـواهـا شَـيِّـقُ
خَلَعَت عَلَيـكَ حَياءَهـا وَحَياتَهـا أَأَعَزُّ مِـن هَذَيـنِ شَـيءٌ يُنفَـقُ
وَإِذا تَناهى الحُـبُّ وَاِتَّفَـقَ الفِـدى فَالروحُ في بـابِ الضَحِيَّـةِ أَليَـقُ
يا نيلُ أَنتَ يَطيبُ ما نَعَتَ الهُـدى وَبِمَدحَةِ التَـوراةِ أَحـرى أَخلَـقُ
أَصلُ الحَضارَةِ في صَعيدِكَ ثابِـتٌ وَنَباتُهـا حَسَـنٌ عَلَيـكَ مُخَـلَّـقُ
وُلِدَت فَكُنتَ المَهدَ ثُـمَّ تَرَعرَعَـت فَأَظَلَّهـا مِنـكَ الحَفِـيُّ المُشفِـقُ
مَـلَأَت دِيـارَكَ حِكمَـةً مَأثورُهـا في الصَخرِ وَالبَردي الكَريمِ مُنَبَّـقُ
وَبَنَت بُيوتَ العِلمِ باذِخَـةَ الـذُرى يَسعـى لَهُـنَّ مُغَـرِّبٌ وَمُشَـرِّقُ
وَإِلَيكَ يُهدي الحَمدَ خَلـقٌ حازَهُـم كَنَفٌ عَلى مَـرِّ الدُهـورِ مُرَهَّـقُ
يَبنـونَ لِلَّـهِ الكِنـانَـةَ بِالقَـنـا وَاللَهُ مِـن حَـولِ البِنـاءِ مُوَفِّـقُ